تناقضات ذاكرة مغتربة ...

16.1.12

ربما ... أنا !



في ذاكرتي اعوام طويلة كنت فيها بطلة لرواية لم اكتبها ! وعندما قررت أن تكون هذه الرواية بقلمي , كانت رديئة ..لم أتمعن في كتابتها , أخترتها من أجل عنوانها فقط .. ولأني كنت واثقة بأن من كتبها وضعني أنا - وسعادتي - الهدف الأول من الرواية...
ثم أكتشقت أنه مهما كانت نيته صادقة .. ومهما تعب في كتابة الرواية ... الا أنها لم تكن روايتي .

أفتش عن نفسي في خباياي .. فلا أجدني , لا أثر لي هناك , صورة لشخص ما عاد موجودا , لا لون و لارائحة ! اين ذهبت؟ و اي طريق سلكت. و لم سلكته؟
أنا ...
من مواليد عام 1990 , ولدت قبل 40 يوما من غزو الكويت وولدت مجددا في أول يوم مدرسي لي ... ثم ولدت مرة أخرى عندما أمتلكت أول غرفة شخصية كانت يوما كل أحلامي...ثم فجأة ... اختفيت
لم يعد لي وجود منذ ان رحلت بغداد عني عام 2003 , لم تعد الأماكن لي و لم يعد الزمان لي , سرقت شبابي منذ ان رحلت عني .. واحاول أستعادته منذ حين.
ولدت من جديد - وللمرة الأخيرة- حين قررت أن اكتب , حين أستخدمت قلمي لأعيد بغداد له .. ولي ..لي وحدي !

لم تتنازع طفولتي أماكن كثيرة , و لم اشترك بحب مدينة أبدا , كنت عديمة الأكتراث بالمكان و الزمان , كنت طفلة مطيعة .. إلى ان رحلت أنا عن بقاياها .. وبقاياي
تركت جزءا من روحي هناك , جزءا لم يعد يخصني وحدي , أراه هناك يتسكع في باحة المدرسة القديمة , على سطح المنزل , يتسكع هناك مع أرواح قررت أن تتركني وترحل هي الأخرى !

ثم .. بدأت حقبة أخرى من حياتي و أنا بعيدة عنها , لم أتنازع مع مدن كثيرة أيضا .. لكن روحي المتمردة فعلت , تركت هذا الجسد الوحيد هنا و ذهبت الى حيث تهوى ... عادت الى بغداد .
فتارة  اراها هناك على ضفاف دجلة , وتارة ترحل بعيدا الى ضفاف النيل و تتحدث باللهجة المصرية بطلاقة ! وحين قامت الثورة التونسية .. كانت روحي هناك تمسك بيد البو عزيزي .. قائلة له أصبر ان ربك غفور رحيم .

كانت روحي هناك مع شهداء ثورة الخامس و العشرين من يناير , في ميدان التحرير , تحاول ان تصرخ بأعلى صوتها , تحاول ان تصنع تاريخا جديدا ..حتى لو لم يكن تاريخها !

هنيئا لتلك الروح الجميلة ... المتمردة ... المتناقضة
هنيئا لها على ما رأت , و بئسا لهذا الجسد العليل قبل أوانه , بئسا له على ما ترك , على ما فعل ولم يفعل !

أعايش عمرا مليئا بالأنتصارات الصغيرة .. و الخيبات الكبيرة - بكبر الوطن ... عمرا تغرب قبل الأوان بأوان , و قبل الغربة بعمر!

فكان لا بد لي من حجرة لأمتهن الرحيل في عوالم خاصة بي .. كتبت لي و قرأت لي .. و ستموت معي ذات يوم .

حتى ذلك الحين . حتى ينتهي السفر و أمتهن الأستقرار - لأن الاستقرار مهنة كما تعلمون - سأبقى معلقة بجسد مغترب و روح متمردة عسى أن امتلكهما يوما ...

تناقضات غربة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق