تناقضات ذاكرة مغتربة ...

6.6.14

في احضان الموت ...


وقع خطوات تتبعها اثارت الرعب في جنباتها .. تحاول ان تبدو واثقة كأنها لا تأبه لمصيرها المحتوم بعد ثوانٍ ...
"أي هروبٍ؟" سخرت من افكارها ... اي هروب هذا الذي تقكرين به وكل ما تهربين منه ينتظرك في المحطة القادمة كَـ قدر ؟ لا هروب بعد اليوم قررت ...
وفي حركة مفاجئة .. التفت لمواجهة صاحب الخطوات الثقيلة.
- "مساء المساء الحزين يا سيد"
- بارتباك ... "عفوا؟"
- " اعلم انهم ارسلوك اليوم من اجلي، لكنني متعبة جدا لاجادلك في مصيري المحتوم ، في خدعة قديمة ومملة ومتعبة، وانت فقط لعبة بيد الموت او الحياة اليوم .. فاختر سيدك"
- " حسنا اذن ... امرت ان البي لك رغبة اخيرة"
- " انت لا تستطيع ان تلبي رغبات لمثلي! لا احتاج لاذن من اسيادك كي اضحك او ابكي .. انا سيدة رغباتي"
- " لا مانع .. هلا رافقتيني للسيارة؟"

مشت واثقة الخطوات امامه الى سيارة سوداء ... اطلق عليها رصاصة في راسها اصابت الدماغ مباشرة .. دماغها الذي لطالما ارهقها تفكيرا وتخطيطا .. لعبا وجدا وضحكات وصهدات الم ...
حقق لها رغبتها من دون ان يدري اذن ..بذكائها ذلك الذي منعه من الاستمتاع بتحقيق رغبة لميتة مسبقا...  خلصها من ارق ملازم للتفكير .. من فواصل النوم التي تأخذها بين هذيان وصحوة امل .. من سبب تعاستها هذا ، خلصها من صداع رأسها المزمن .. من التفكير.

اخبار اليوم التالي اعلنت بأسى عن النائمة في احضان الموت .. وعن انتكاسة اخرى يكتبها التاريخ على صفحات اوطان احترفت الرسم بحروف من دماء منذ ١٠٠ عام او يزيد .. ولا تزال. 
 

28.4.14

قدرك ...

 
قدرك يا سيدي ان تقع في حب فتاة كل حياتها كلمات .. اوراق وكتب واقلام. 
قدرك ان تحتمل تقلب مزاجها المستمر .. دموعها وسط الضحكات، وضحكاتها عند الحزن، وابتسامتها عند لقاء الغرباء.
قدرك ان توقظك ليلا لان الهاما ما اصابها في حلم .. فيجب ان تستمع الى ما كتبت.
قدرك ان تستمع لقديم اغنيات لا يذكرها غيرها .. وان تعشق فيروز مثلها ، وان ترقص بجنون على نغمات زوربا ... وان تعتقد ان كل الرجال انت .. وكاظم الساهر. 
قدرك ان تمسك يدها عندما تعبر الشارع لانها تخافه .. وقدرك ايضا ان تحتمل طفولتها المتأخرة
قدرك ان تلهمها كل صباح لتمتعك بحروفها ...
...
فتاتك هذه تستطيب الكتب كهدية يوم الحب ويوم ميلادها . وهدية لانك اشتقتها ... تفرح بدفتر ذو غلاف احمر اكثر من اي شئ اخر ... 
ولا تضجر من هداياها المملة .. كلها كتب واقلام ودفاتر وبين الحين والاخر كلمات كتبت خصيصا لك .. ورسم مستوحى منك
...
فتاتك بقدر حبها للكلمات .. بقدر خوفها منها، تخاف ان تطعنها الحروف .. فكن على حذر لانها لن تسامح طعنات اللسان.
...
لا تظنها خيالية جدا .. فهي تعلمت ان النهايات الحزينة اكثر انتشارا ، وان السعادة ليست سوى وجهة نظر ... وان الشخصيات الشريرة والتطورات الدرامية من مقومات الكتاب الجيد ... واننا بشر نخطئ ونصيب .. ولا كمال فينا.

لكنها بالرغم من هذا لا تزال تعشق حكايات الصغار و افلام ديزني .. انها طفلة فاياك اياك ان تعاملها كالكبار.

....
ستسخدم الكلمات سلاحا ضدك .. ستمنحها اياك متى احست بقربك .. وستحرمك اياها ايضا .. وسيلة تودد واغراء .. وربما وسيلة انسحاب .. فانتبه ستسخدمها لتعذيبك ..ولعزف الناي في قلبك ان شاءت.
...
قدرك ... يا حبيبي
ان تغرق في بحر من حروفها. 
فتعلم السباحة قبل فوات الاوان. 

12.4.14

غيرة

-الو ؟
-الو مرحبا .. كيف حالك؟
- انا بخير .. اتصل بك لاسال عن حال زياد .. هل هو بخير؟
-زياد! ما باله زياد؟ لم السؤال؟
- الم تعلمي بخبر حادث السيارة اليوم؟ سمعت ان السيارة انقلبت به صباحا وهو مسرع  .. انه في مستشفى العلم لكنني ارتأيت ان اسالك عنه!
- حسنا شهرزاد .. اذهبي الان سنتحدث لاحقا.
.....
في الطريق الى المستشفى لم تتركها الافكار تقود السيارة بهدوء .. هل هو بخير؟ ما الذي حصل يا ترى؟ هل لزعلنا سبب بهذا! يا الهي زياد هو كل ما املك ... يا رب! ولاحت دموعها من خلف نظارتها السوداء التي اهداها اياها زياد في عيد ميلادها الماضي.
اخذت تسرتجع اخر حديث بينهم بتفاصيله ... 
-لا يهمك شئ الاك يا زياد! حدثتك ان تبتعد عن الحرب هذه لا تورط نفسك بقضية خاسرة .. ما الذي زج بك في حزب لا علاقة لنا به! وكم سنة ستؤجل قضيتك هذه زواجنا ؟
- هذه القضية هي انتِ يا ناي .. كيف لنا ان نتزوج نحن وعندما نرزق باولاد لا يمكننا ان نكتب "القدس" مسقط رأسهم! اليس هذا حلمكِ ايضا؟
- حلمي نعم ... مجرد حلم اعلم انه لن يتحقق قريبا ... لكنك هنا ، انت واقع يا زياد .. لم تريد ان تزج نفسك في خانة الاحلام البعيدة مرة اخرى؟
- لانك والقدس لا تتجزئان يا ناي ...
- ان كنت تريد القدس فلا تحدثني مرة اخرى .. اذهب لها! يا الهي كل  فتاة تغير على حبها من فتاة اخرى! الا انا اغار من مدينة .. ارحل يا زياد اذهب الى مدينتك ولا ترجع ...
غلق الباب بعنف واختفى زياد.
وها هي تسرع بسيارتها لتخبره ان المدينة والفتاة بانتظاره ... 
.....
-زياد؟
- ناي؟ ... احبكـِ ... واغمض عينيه.

28.3.14

لحظة غضب

في داخلي غضب لا اعرف كيف استنفذه اليوم... في داخلي صراخ يوقظ سكان هذا الشارع ويستدعي افكاري وتناقضاتي ومشاعري والمي ودموعي وصوتي .

في داخلي عتب على الدنيا وعليّ وعلى حضن امي .. في داخلي رغبة جامحة بالبكاء كالاطفال حيث لا يسألهم احد لم يبكون، ولا يعتب عليهم احد ...

في داخلي عتب على كل من رآني ابدد طفولتي متقمصة دور الكبار ومشغولة باغنية انا وليلى وعمري ست سنوات .. في داخلي حقد عليهم لانهم لم ينبهونني باني ساقضي عمري منفية ويستوطن الاغراب في بلدي ، في مدينتي ، في شارعي في افكاري وذاكرتي ... في داخلي عتب على كل من لم يعاملني كطفلة . وكل من يصر على انني كبرت الان .


في داخلي رغبة جامحة بتمزيق كل من عاث ببغداد فسادا واخرجني منها واوصلنا الى ما نحن فيه اليوم ... لماذا لم يصل العلم الى مرحلة استرداد الايام من هؤلاء الذين سرقوها؟ كم عمرا سنسترد؟ اريد طفولتي واصدقائي .. واريد ان العب لعبة كرة قدم اخيرة يا ربي في ذلك الشارع وان نرجع جميعنا اطفالا .. وجميعنا احياء.

اريد عمري .


في داخلي "حقد" على اطفال لم يسمعوا صوت الرصاص .. لم يخافوا من النوم في الليل .. لم يخافوا من زوار الليل واسلحتهم واقنعتهم وتهديدهم بالخطف.


في داخلي غربة لا تبددها غربة .

من يدلني على مكان سري افرغ فيه كمية العتب التي تستحوذني وفكرة الصراخ التي تبدد نومي ... 


10.3.14

شتاء


ملعونة شتاءات العالم الاول يا عزيزي , ملعونة فصولهم ومواسم فرحهم واحزانهم

امطارهم عديمة الرحمة, عواصف غضبهم, صواريخ حبهم المنتشرة في مدن ودم العالم الثالث ...

 

هل تعلم ما هو اكثر ما يدعو الى اللعنة في عالم كهذا؟ الاحلام ... ملعونة احلامهم وافلامهم وقصصهم التي يصدرونها لنا فتحثنا على الحلم والعمل في سبيله ثم الموت ونحن ابعد ما يكون عن تحقيقه.

 

اتدري يا صديق؟ الدنيا هنا شتاء نزلت درجة الحرارة ام ارتفعت ... شتاء قارص المشاعر .. وإلا ما معنى ان تذوب حبا في صوت كمان لا تعلم له اصل ولا لهجة؟ كمان يجمد اوصالك كلما فكرت بالتحديق الى اوتاره ... ويتركك بعد دقيقتين واربعين ثانية باحثا عن نغمة اخرى.

 

ملعونة مواسم اللا-فصول هنا .. ربيع بطعم قهوة غالية , شتاء بصوت نغمة كمان مثيرة , صيف برائحة عطر نسائي (فلورال) , وخريف بلون بغدادي.

 


28.2.14

على حافة الهاوية ...


هل تعلم يا انت؟
كنت في أيام مضت اظن بانني اعرف هذا الطريق جيدا ... كلا, مفردة "أظن" لا تصلح هنا , كنت متأكدة من ان هذا هو الطريق الذي سيوصلني الى ما اريد , الى ما احلم به , الى ما احب .. واليك.
هذا هو الطريق الذي وجدته انا وحدي صدفة على ناصية الرصيف المقابل لبيتنا,  طريق صنع خصيصا لي .. غير مرئي للآخرين , كل الذي يتوجب علي فعله هو وضع قدمي واحدة أمام الاخرى , وضرب هذه الأرض بخطى واثقة ... وسيوصلني هذا الطريق الى حيث حلمي ينتظرني لاحققه.
تضع اول قدم على الطريق .. وتظن أن اصعب جزء واهم قرار في حياتك قد اتخذته وحان وقت جني الثمار , لا يخطر ببالك لحظة حين تخطو اول خطوة بأن سؤالا اصعب بانتظارك وعمرا من التفكير ... لماذا؟
لماذا اخترت هذا الطريق يا ترى؟ ولمَ الان بالتحديد؟ وما الذي كان سيحصل لو انك لم تتعثري بهذا الطريق على ناصية الرصيف؟ واي مدينة كان سيقودك اليها قدرك ؟ اي كتاب؟ اي مسلسل ؟ اي عشق خفي؟ واي اغنية علنية تتمتمينها وحدك تحت هذا المطر؟ هل كان سيكون هناك مطر اصلا؟ ... لماذا سؤال اخطر بكثير يا انت .
كثيرون هم ذوو الموهبة والقدرة على تجاوز خطورة هذا السؤال , السهو عنه , نسيانه او تناسيه .. كثيرون لا يضجروا انفسهم ولو للحظة, لماذا؟ لماذا هذا الطريق بالذات؟ لمَ انا؟ و لمَ انت؟ ولمَ هذه اللغة وهذه البلاد؟ و لمَ لا يحق لي ان ارجع كم خطوة الى الوراء او ابدأ من جديد؟
هل فكرت بكل هذا عندما أخذت تلك الخطوة يا ترى؟ يالها من خطوة يا الله ... يالها من خطوة, خطوة تفصل بين طريقين , وحال ما تختارين تشعرين بانفاسك تلهث , كانك قطعت العمر ركضا .. للوصول الى هذه الخطوة .. خطوة تفصل بين عالمين.
عالم مللت من الركض في ايامه الى ان وصلت هنا , وآخر لم تعرفي منه سوى هذه الخطوة ... الخطوة الحلم. لكنك يا عزيزتي لا تألفين الطرق الغريبة, الغامض لا يستهوي أمانك, والمجهول لا يغري ذاكرتك التي تعبت من المفاجئات غير السارة.
لكن آن الوقت ان تحددي من اي الفريقين انتِ؟ هنالك ناس لا تهوى اللعب على حبال معلقة فوق وادٍ مظلم , تضع مخططا لكل خطوة وكلمة وابتسامة وفكرة, تعرف متى تتكلم ومتى تسكت .. تميز التجارب الناجحة كما تميزين انتِ اللهجة البغدادية ...
وناس لا تعترف بنبضات قلبها الا اذا كانت تؤدي بها الى المجهول, الى طريق لا تعرف نهايته وتعول على حدسها وذكائها والحظ في كشف النهاية... ناس لا تتردد ولو للحظة عند رؤية الغريب, تسحرها زهو التجربة, وعمق الوادي تحت هذا الحبل المعلق, لا تهتم ان كانت تستطيع الرجوع في منتصف هذا الطريق او لا.
مشكلتك يا عزيزتي انك حاولت الانضمام لكلا الفريقين وفشلتي ... فشلتي في الانتماء فشلا ذريعا .. يخيفك المجهول ويغضبك الوضوح, تظنين ان المنطقة الرمادية هذه ستجعل من اختيارك اسهل, او تمنحك فرصا اكبر ان اضططرت يوما الى اختيار مفاجئ ... ولكنك يا عزيزتي لا تعلمين حتامَ تستطيعين الوقوف في هذا الوسط ومن سيزاحمك على هذه الدائرة .. تقفين على  حافة هذه الهاوية , بدون اختيار.

26.2.14

سنعود بعد قليل ...

 هل من يزرع خيرا يجنيه؟ ومن يصنع شرا يحصد اشواكه؟ اليست هذه قوانين الطبيعة ؟ ما الذي زرعناه نحن لنجني بلادا كهذه؟ ما الذي زرعه اجدادنا ليكون مصيرنا نفي وغربة ومرارة كقهوة سوداء تركت على النار اكثر من اللازم؟
جنات كبغداد ودمشق وحلب ... اراضٍ عاش فيها نزار ودرويش وجاهين، استودعناها للموت يا الهي .. استودعناها للرصاص، للحواجز الكونكريتية والسيطرات العسكرية، للأيتام، للأرامل، لأنين الشيوخ، لجوع اطفال مخيم اليرموك، لدموع  الصبايا على جنود الجبهات، لحسرات الامهات على الشهداء ... للدماء!

حسبنا انت وهذه الدماء لتعود بلادنا جنانا!

سوريا يا رب الارض تركها اهلها للفتن .. وبغداد يا رب السماء تركها اهلها للحزن، القدس يا رب الاسراء والمعراج باتت تدفن شهيدا بلا كفن، بيروت يا رب الجمال ضربها صاروخ طائفي عفن، القاهرة يا رب الحق تركها اهلها لرتبٍ عسكرية تستورد سلاحها ممن يضرب جيرانها في العلن!

حسبنا انت وهذه الدماء لتعود بلادنا جنانا!

ان كان هذا عقابا يا الهي فانت اعلم اننا اضعف من كل هذا الالم، وإن كان اختبارا فلك يا رب كل الارض وكل السماء وهذه الشوارع المنحوتة بالدمع والدماء.

لكني أسألك يا الهي فقط ان تسد آذاننا عن صراخ اليتامى، وتشيح بنظرنا عن نزيف الايامى ... انت اعلم منا بضعفنا، بعارنا، بتخاذلنا العلني والسري، بحججنا الواهية، بدسائسنا لبعضنا، بخيانتنا لامانة نبينا، بعجزنا ل ٦٦ سنة عن نصرة المظلوم .. نحن قوم يندبون حظهم بالقلم ولا يحركون ساكنا لتحرير الارض ... نحن قوم نستثمر ثروات بلادنا الطبيعية والصناعية اسلحة لقتال جيراننا، لاشعال حطب فتنة يستنكرها اعلامنا الرسمي ويساهم بتحفيز وقودها نفطنا الخفي ! ارأيت جحودا للنعمة اكثر من هذا؟
نحن قوم نستثمر اموالنا ببناء عمارات في لندن وامستردام ... وتخريب حلب ودمشق وبغداد !

وبعد هذا كله تسألين ماذا زرع اجدادنا؟!!!!

"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" 

29.1.14

عَ السريع ...

 قصة قصيرة ... جدا
صمتت فجأة ... كأنها سمعت صوتا من بعيد ... -ماذا تقرأينَ يا أنتِ؟ 
حركت راسها يمينا وشمالا، لا وجود لصاحب الصوت. ثبتت عينيها على الصفحة وأكملت:
"نحن حزب العناد، لا نرضى بالهزيمة"
فكرت: اعلن انضمامي لحزبكم يا سيدة
فاجأها الصوت مرة اخرى، لستِ قوية لحزب كهذا. لم تأبه به هذه المرة، اكملت الصفحة بابتسامة تعلو قسمات وجهها المتعب.
اغلقت الرواية وانطلقت الى عملها بابتسامة.
لم يعاودها الصوت مرة اخرى ... حتى الان..


قصة قصيرة أيضا ...

استمتعت على مهلها بكل نوتة من صوت فيروز الصباحي وهي ترتشف الكابتشينو قليل الدسم، لم تأبه بالمطر الذي تآمر عليها في يوم العطلة، أرتدت معطفها وحلقت من شارع لآخر، هادئة الملامح بينما تصدح أعماقها الفوضوية بزلازل من افكار وخطط ...

استوقفها منظره وهو يرسم. جلست على الرصيف بمحاذاته حتى انهى رسم حبات المطر بذلك اللون الأبيض الأقرب للزرقة المثير للأمل ... ابتسم في وجهها ودعاها لاحتساء فنجان قهوة بالفانيلا، وافقت، أفرغت في دمه زلازل افكارها، شربا القهوة ... اخذت لوحته وافترقا بابتسامة.