تناقضات ذاكرة مغتربة ...

2.10.13

فأحمل بلادك أنى ذهبت .. وكن نرجسيا اذا لزم الأمر



 مقدمة ...


ما اسعد حظك اليوم ... انت الذي نجوت من اهوال العدوان "الثلاثيني" على العراق ولم يتجاوز عمرك الاربعين يوم ... انت الذي اتخذت من صفارة الغارة حكاية ما قبل النوم ... انت الذي افطرت في رمضان على صوت القنابل عندما كان عمرك ثماني أعوام شداد, أنت الذي نمت على هول حكايات السجون والتعذيب قبل واثناء وبعد جميع حروب ذاكرتك.
انت ... يا من نجوت من دمار الاحتلال, من شظايا اسلحة الدمار الشامل والقنابل العنقودية ... من زجاج السيارات المتكسر, من صاروخ أخطأ بيتك ... وقتل ابن جارك. 

تتفقد جسدك اليوم ... لا ندوب,  لا مخلفات حرب .. كامل الأطراف انت .. تتحسسك ... تطير من الفرح! نجوت من جميع هذه الأهوال... لا بأس, لا زلت شابا .. وحيا".
أنا على "قيد" الحياة ...

تستيقظ في اول يوم لتدرك سعادتك ... فرصة أخرى تعيشها بعيدا عن مدينة الموت تلك ...كامل الأطراف.

تستيقظ في اليوم الثاني ... يختلف عليك المكان, اين انا؟ وماذا أفعل هنا؟ من هؤلاء الناس ذوي الشعر الاشقر والايادي الباردة؟
تستيقظ بعد حين... أنا "مقيد" بالحياة, تدرك سريعا انك يا عزيزي مغترب... وبدلا من فرحتك العارمة, يغمرك تناقض المغترب! أنا حي ... ولكني لست "هناك" ! 

بعد حين ستدرك ... ايها الاحمق انك في الغربة ... ستعرف الكثير من السناجب و الاشجار الخضراء والهواء النقي, موسيقى في الشوارع ومسارح ورقصات باليه... لكن لن يشرق الفرح على قلبك, لا قوس قزح يزين سماء مدينتك المفضلة, لا ناي يعزف في مدينتك ,, لا مسرحية تعرض على عتبات المسرح الوطني ... غصات المقارنة ستطاردك كشبح ذنب لا تستطيع التخلص منه.
لاحقا ستدرك .. انك لا تصلح للحياة او الموت الا هناك ... حيث هربت من الموت .. هربت من الحياة أيضا!

"أنا من هناك , أنا من هنا
ولست هناك , ولست هنا
لي إسمان يلتقيان ويفترقان...
ولي لغتان نسيت بأيهما
كنت أحلم"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق