تناقضات ذاكرة مغتربة ...

26.10.13

حكايات من المترو ... ٣



في رحلة العودة للمنزل اليوم، اخذت ولاول مرة قطار المساء المزدحم، قابلت اصنافا من الناس.
طوال، قصار، اجانب، اسيوين، عرب، بيض و ملونيينو صفر وحمر ... واطفال.
معظم من قابلت اليوم كانت عينهم في رواياتهم او في هواتفهم الذكية.. بعضهن في المرايا لوضع اللمسات الاخيرة قبل موعد ما .. وبعضهم -مثلي- في وجوه الاخرين، يحاولون ان يخترعون قصصا وحوادث وهزائم وذكريات.
وكان هناك الاطفال ... الاطفال الذين يتنقلون من مكان لاخر، يتحدثون مع الجميع، يسألون عن كل غريب، يغنون بصوت عالٍ، لا يهتمون للشكليات، يلعبون في اي فسحة متوفرة... يعيشون كما لا نفعل.
سألتني طفلة ذات عينين زرقاوين عن بلدي اليوم، "من اين انتِ؟" سألت .. وعينيها تقطر براءة
"من بلاد العجائب" اجبتها
-أتعرفين أليس؟
-بالتأكيد اعرفها، كنا نسكن في نفس الفطر معا!
-أي لون كانت فطرتكم؟
-حمراء بنقط بيضاء، وكانت عندنا حديقة صغيرة فيها ورود تنبت شوكولا، نقطفها كل صباح.... لقد قطفت لكِ واحدة اليوم.. تفضلي
-هذه لي؟! كيف عرفتِ اننا سنتقابل؟
-أليس اخبرتني
-هل يمكنكِ ان تشكريها عني؟
-نعم يا جميلتي.
 ---------------------------------
اسهل على جميلة كهذه ان تفكر ببيوت من الفطر وحدائق من الشوكولا، على ان تتخيل مدينة لا مكان للخيال فيها...مدينتي!
انا اعلن اليوم تمردي على بلداننا هذه ... انا من بلاد تنبت فيها الشوكولا كالثمار، انا من بلاد العجائب، من نيفيرلاند ... انا من الجنة؟

هذه الجميلة قدمت لي هدية رائعة اليوم، انستني -ولو لحظات- اننا كبار.

22.10.13

عن ليلٍ موحش ...

موحش هذا الليل .. سواده لا يمت للحياة بصلة
على ناصية شارعنا فتاة يبكيها الليل . انتظرت حبيبها بفارغ الصبر علّ الصبح يلفظه الى ذراعيها، سرقها منه ليل البارحة وخانها ليل اليوم.

في بيت جيراننا حفلة صاخبة الاصوات تعادي هدوء هذا الليل الموحش الا انه يأبي ان يدخل على قلبي سرور النغمات ...

وفي داخلي حنين .. اعرف جيدا "لمين"، لكن بيننا ليل طويل، ومسافات ضوئية، وصوت يحذرني من الرجوع خالية الوفاض ...

وفي قلبي غصة ... لأولئك الذين اشتاقت روحي لاصواتهم وهم تحت التراب، وفي عيني دمعة تأبى الرضوخ للغصة, وفي قلمي حبر تربكه الدمعة ...

وعلى طرف لساني قصة ... موجوعة الحرف

....
 صوت يزلزل زوايايّ ، اسمعه يهتف في داخلي، اما حان الوقت يا ناي؟ كفي عن مناجاة غرباء الليل، ابتعدي عن معطوبي الذاكرة، غيري التاريخ كما غيرتي الجغرافيا ... صوت يبعدني عني، ويقربني مني

ما عدت اعرفني في الليل ... 
خطفتني مني ... 

21.10.13

حكايات من المترو ... ٢

الحلقة الثانية
في رحلتي الصباحية (جدا) اليوم بين محطات القطار الى مقر الجامعة ... سمعت احد المسافرين يثرثر عن برودة لندن بالنسبة لمدينته في الجنوب الانكليزي ...
ولا يعلم كم باردة هي بالنسبة لجلدي الصحراوي ...
ولكن لنتحدث عن ابعاد اخرى .. جميع الدول الكبرى باردة بطريقة او باخرى، الاحياء الكبرى، المطاعم الكبرى، محلات التسوق .. و المدن

مدن باردة، لا دفيء حكايات جدتي فيها ، محلات تسوق جامدة ، مطاعم جاهزة للتمثيل، واحياء كبرى كل شيء فيها لا يمت للذاكرة بصلة.

...
لم اكن يوما من محبي هذه الاحياء التي نرى فيها سيارات فارهة، مسابح ،اضاءة صناعية و بيوت بيضاء تعلن استسلامها لمفاجئات الزمن.

انا من مشجعي الاماكن التي  يختبيء فيها عطر قديم، "شخابيط" اطفال تعلموا الكتابة للتو ... اثار طباشير لملعب كرة قدم شارعي، رائحة القداح ... الصغار وهم يوزعون بينهم مصاصات المساء، و يتناقشون عن ظلم جيري لتوم.
...
نعم يا سيدي العزيز مدنكم باردة ومصطنعة لا يتحدث فيها الناس لبعضهم ، ومدن ذاكرتي دفئها لا يحتمل 

20.10.13

حكايات من المترو


الحلقة الاولى

ما بال هؤلاء اللندنيون لا يكلمون بعضهم بعضا ... حديثهم موجه دائما الى دواخلهم، ليس لهم علاقة بمن يحتل المقعد المجاور، لا علاقة لهم بصراعاتك اليومية، احباطات صباحك او انتصاراتك، لا احد فيهم يهتم لسؤالك، او يشغل باله باحوالك ...
قلما يتحدثون وإن فعلوا فيكون عن وجهة القطار او عن جريدة الرياضة.

لا احد يسالك عن سر هذا الصوت الجميل المنبعث من سماعات اذنيك، او عن الرواية التي تقرأها ... او كيف حالك؟

ساعمل على تغيير ذلك في الايام القادمة ، استعد ايها اللندني الواقف عن يميني محدقا باللغة الغريبة التي اكتب بها وبألوان خاتم جدتي ...
استعد لمن سيسالك عن تحديات يومك، فطورك الصباحي، بأي لون حلمت البارحة و كم لغة تتحدث ... استعد لابتسامة على وجهي كالصدقة :) وبحديث بلهجة غريبة،مطعما بكلمات عربية من نوع "شكو ماكو؟" ...

ثرثرة ربما تشرق يومك .. او تثريك بموضوع تتحدث فيه على العشاء مع اطفالك عن عربية جميلة. .. لا تشبه الذين في التلفاز!
مبتسمة .. وكفى!


16.10.13

الحلقة الثانية .. في القطار

لا انتمي الى هنا
عندما تشعر يا سيدي بأنك في المكان الخاطيْ.. في المهنة الخاطئة ... في زمان لا تنتمي له 

مدينتك أخطأت زمانك ومكانك ايضا , جعلتك من منفيي هذا الزمان , غرباء دائما , لا يشاركون الناس احلامهم, اذواقهم, وجهات نظرهم , حبهم للاغاني, قرائتهم للروايات, حبهم لاشخاص لا وجود لهم الا في خيال كتاب غيرهم .. ياللمأساة!
هل انت خطأ قام به الزمان .. او ربما انت خطأ مكاني ؟ لا تنتمي الى جنس البشر هؤلاء , هؤلاء الذين لا يبالون بألمك , بحبك , بمآسي حياتك بذاكرة حروبك وبحروب ذاكرتك
انت ... لا ... تنتمي 

عم تبحث يا ترى؟ لا هدف لك الان .. كل ما يهمك او كان يهمك انت عاجز عن تحقيقه
كتاب كأن سطوره كتبت من اجلك لكنك أحرقته وما عدت تذكر من كلماته شيئا , فكيف يا سيدي  ستعيش لحظات احرقت لغتها .. كيف ستفهمها وهي لا تتحدث الا صمتا ؟
وانت عجزت حتى عن لغة الصمت 

عزائك ايها الغريب انك لست وحيدا .. فالكثير من الذين يلتفتون اليك وانت تكتب هذه السطور هم من غرباء هذا الزمان ايضا ... كثير منهم يود ان يسألك بأي لغة تحلم؟ وبأي لون تكتب؟ وكم من العمر سرقت ... وإلامَ تنتمي؟ ايها اللا منتمي
إنتظر احدهم ليسبر غور اعماقك.. يرش الملح على جراحك, وأعطه الحرية التامة لفتحها عن آخرها .. نكأها او تطبيبها
علك تنتمي يوما ...

2.10.13

فأحمل بلادك أنى ذهبت .. وكن نرجسيا اذا لزم الأمر



 مقدمة ...


ما اسعد حظك اليوم ... انت الذي نجوت من اهوال العدوان "الثلاثيني" على العراق ولم يتجاوز عمرك الاربعين يوم ... انت الذي اتخذت من صفارة الغارة حكاية ما قبل النوم ... انت الذي افطرت في رمضان على صوت القنابل عندما كان عمرك ثماني أعوام شداد, أنت الذي نمت على هول حكايات السجون والتعذيب قبل واثناء وبعد جميع حروب ذاكرتك.
انت ... يا من نجوت من دمار الاحتلال, من شظايا اسلحة الدمار الشامل والقنابل العنقودية ... من زجاج السيارات المتكسر, من صاروخ أخطأ بيتك ... وقتل ابن جارك. 

تتفقد جسدك اليوم ... لا ندوب,  لا مخلفات حرب .. كامل الأطراف انت .. تتحسسك ... تطير من الفرح! نجوت من جميع هذه الأهوال... لا بأس, لا زلت شابا .. وحيا".
أنا على "قيد" الحياة ...

تستيقظ في اول يوم لتدرك سعادتك ... فرصة أخرى تعيشها بعيدا عن مدينة الموت تلك ...كامل الأطراف.

تستيقظ في اليوم الثاني ... يختلف عليك المكان, اين انا؟ وماذا أفعل هنا؟ من هؤلاء الناس ذوي الشعر الاشقر والايادي الباردة؟
تستيقظ بعد حين... أنا "مقيد" بالحياة, تدرك سريعا انك يا عزيزي مغترب... وبدلا من فرحتك العارمة, يغمرك تناقض المغترب! أنا حي ... ولكني لست "هناك" ! 

بعد حين ستدرك ... ايها الاحمق انك في الغربة ... ستعرف الكثير من السناجب و الاشجار الخضراء والهواء النقي, موسيقى في الشوارع ومسارح ورقصات باليه... لكن لن يشرق الفرح على قلبك, لا قوس قزح يزين سماء مدينتك المفضلة, لا ناي يعزف في مدينتك ,, لا مسرحية تعرض على عتبات المسرح الوطني ... غصات المقارنة ستطاردك كشبح ذنب لا تستطيع التخلص منه.
لاحقا ستدرك .. انك لا تصلح للحياة او الموت الا هناك ... حيث هربت من الموت .. هربت من الحياة أيضا!

"أنا من هناك , أنا من هنا
ولست هناك , ولست هنا
لي إسمان يلتقيان ويفترقان...
ولي لغتان نسيت بأيهما
كنت أحلم"